المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

المقر: لندن - المكتب الاقليمي: القاهرة

مقالات

قراءة نقدية في قصيدة الشاعر محمد الثبيتي “تغريبة القوافل والمطر”

 

• بقلم: د. مريم ابراهيم الحربي

تقع هذه التغريبة بين قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة ، وتمتاز بالتكثيف والتركيز ، وعادة ماتحمل الكثير من الإيحاءات والهذيانات، وهي قصيدة –أراها- غير سماعية فهي بحاجة إلى كثير من التأمل ، ومن العسير ، بل من المتعذر الوصول إلى معنى القصيدة . ويعد البحث عن معناها ضرب من تضييع الوقت وإهدار الجهد؛ فالشاعر الحداثي شاعر هذياني حالم ، وهو أقرب مايكون للصوفي في تحليقاته وتهويماته
أول مايلفت نظر القارىء في كثير من النصوص تكرار جملتين “أدر مهجة الصبح/ يا كاهن الحي” فهي منبثة بين ثنايا النصوص بشكل يؤكد ماقلته سابقا من أن الشاعر الحداثي شاعر حالم ، وتكراره هذيان أيضا يدلل على أنه يحيا في علم افتراضي يخلقه هو ويبتعد به كثيرا عن عالم الواقع.
يفتتح الشاعر تغريبته بفعل أمر “أدر” ليقابل مهجة الصباح وكأنها شيء محسوس يدار في الاتجاه الذي يرغبه الشاعر وكأنه جسد مهجة الصباح في القهوة العربية الممزوجة بعبق الأصالة ثم ينخرط بعدها في جدلية مخاطبة الوجود فيكثر من حشد الأوامر
(أَدِرْ مُهْجَةَ الصُّبْحِ
صُبَّ لنَا وطناً فِي الكُؤُوسْ
يُدِيرُ الرُّؤُوسْ
وزِدْنَا مِنَ الشَّاذِلِيَّةِ حتَّى تَفِيءَ السَّحَابَةْ أَدِرْ مُهْجَةَ الصُّبْحِ
واسْفَحْ علَى قِلَلِ القَومِ قَهْوتَكَ المُرَّةَ
المُسْتَطَابَةْ)
ويكرر (أدر مهجة الصبح) ليؤكد مدى فاعلية دورانها في ما حولها وتأثيرها فيه، وكأنه يرى أن الصباحات هي أساس البدايات وعليها يعوّل في المنتهى..
تتابع حثيثات القصيدة في سلسلة من العبارات المتتالية البسيطة الواضحة كل الوضوح، وتدل الواحدة منها على الاخرى كأنها تناغم موسيقي يزيد بهاء كلما طال ، وهذه هي البلاغة، أليست البلاغة بقول الجرجاني (ما جاء من القول مطابقا لمقتضى الحال).

(أَدِرْ مُهْجَةَ الصُّبْحِ مَمْزُوجَةً بِاللَّظَى
وقَلِّبْ مواجعنَا فوقَ جَمْرِ الغَضَا)
تكرر المحاكاة الاستهلألية باقتدار وخصوصية تتجاوز تهلهل النثر الى فيض الشعرية الممزوجة بالأسى والحرقة والذكريات التي تطبخ على نار هادئة فتنضج لتكون أوضح وأدوم.
فينسكب الحزن على العاطفة المتأججة, وتدخل الطبيعة طرفا في العلاقة الثنائية فنكتشف أن اللظى جزء من الصباح، وأن الجمر ليس سوى مواجع الشاعر.

(ثُمَّ هَاتِ الرَّبَابَةَ)
هاتِ الرَّبَابةْ:
أَلاَ دِيمَةً زَرقاء تَكتَظُّ بإلدِّمَا
فَتَجْلُو سَوادَ الماءِ عَنْ ساحِلِ الظَّمَا
أَلاَ قَمَرًا يَحْمَرُّ فِي غُرَّةِ الدُّجَى
ويَهْمِي على الصحراءِ غيثاً وأَنْجُمَا
فَنَكْسُوهُ مِن أحزاننَا البيضِ حُلَّةً
ونتلُو على أبوابِهِ سُورةَ الحِمَى
أَلا أيُّها المخبُوءُ بينَ خيامِنَا
أَدَمْتَ مِطَالَ الرملِ حتَّى تَورَّمَا
أَدَمْتَ مِطَالَ الرملِ فَاصْنَعْ لَهُ يَداً
ومُدَّ لهُ فِي حانةِ الوقتِ مَوسِمَا

هنا انزياحا تركيبيا جميلا يخرجنا الشاعر من جو القصيدة وتركيبها إلى لحنا موزونا يبعث موسيقا غاية في الجمال..
حمل هذا المقطع صورا :ديمة زرقاء/غرة الدجى/سورة الحمى/تورما/فاصنع له يدا/حانة الوقت/
كل تلك الصور لم تكن محض صدفة ،بل هي محبوكة حبكا فنيا مدروسا أضفت ألقا غير عادي على النص الموزون.

ثم يكرر الطلب:
“أَدِرْ مُهْجَةَ الصُّبْحِ”
لكن السبب هذه المرة مختلف فأوضحه:
“حتَّى يَئِنَّ عمود الضُّحَى”
أراد الشاعر من الساقي أن يستمر في الدوران بقهوته حتى يغادر الوقت أو يكاد حتى يمر الوقت ويمحي دون أن يشعر به.
والشاعر هنا يحمل معاناة تجعله يحرص على تسرب الوقت وانصرامه ،فقوله” حتى يئنّ عمود الضحى” فيها ما فيها من حقد الشاعر على الوقت الطويل الجاثم على صدره.

(وجَدِّدْ دمَ الزَّعْفَرَانِ إذَا ما امَّحَى
أَدِرْ مُهْجَةَ الصُّبْحِ حتَّى تَرى مفرقَ الضوءِ
بين الصدورِ وبين اللِّحَى)
في بناء انسيابي قائم على التتابع يعيد حشد الأوامر (جدد/أدِر) ليستعيد ما لا يستعاد فتنتهي به اللحظة حين يباغته اليأس فينادي:
(أَيَا كاهنَ الحيِّ
أَسْرَتْ بِنَا العِيسُ وانْطَفَأَتْ لُغةُ المُدْلجينَ
بوادي الغضَا
كَمْ جلدْنَا متُونَ الرُّبَى
واجْتَمَعْنَا على الماءِ
ثُمَّ انْقَسمْنَا على الماءِ)
يظهر أخيرا المخاطب الخفي، إذن فكاهن الحى هو غاية هذه التغريبة التى يسعى فيها الشاعر الذي يتوسم الشاعر فيه أن يجيبه عما يعتلج في سره من تساؤلات، فيطرح عليه الأسئلة تباعا كحال الذي يفضفض ولا ينتظر جوابا ،وكأن الشاعر لم يعد يحتاج للإجابة إما لأنه قد علمها أو أنه يرى عدم جدواها.
فيختار مفردات :العيس/وادي الغضا/المدلجين/الربى/الاجتماع حول الماء والانقسام.
فتعطي القصيدة خصوصيتها التي تشبه العزف المنفرد على وتري الماضي والحاضر، حيث ينسخ أحدهما أحاسيس الآخر.
كل تلك المفردات تشير إلى أن الطبيعة
الصحراوية ما تزال متجذرة فيه، ولم تغادره، وإن هو غادرها; لذا فهو يعيد استحضار مفرداتها وكأنها انطبعت في ذاكرته فلا يستطيع الفكاك منها أو الخلاص .

(يا كاهنَ الحيِّ
هَلاَّ مَخَرْتَ لنا الليلَ في طُورِ سِيناءَ
هلاَّ ضَربتَ لنا موعداً في الجزيرةْ)

يتجشّم في كاهن الحي العلم التام لذا يزاحم عليه الاستفسارات ويكيل له التساؤلات، فمن هو كاهن الحي يا تُرى؟!
أم هو مجرد سراب ، والأوجب في الشعر أن يكون الحضور سرابا.
تعتمد القصيدة نهجا قائما على التتابع بمعطى درامي في الأساس فيزيد من إمكانية التجربة وتماسكها.

“أيا كاهنَ الحيِّ
هَلْ في كتابِكَ مِن نَبإ القومِ إذْ عَطَّلُوا
البيدَ واتَّبَعُوا نَجمةَ الصُّبحِ
مَرُّوا خفافاً على الرملِ
يَنْتَعِلُونَ الوجَى
أسفرُوا عَن وجوهٍ مِنَ الآلِ
واكتَحلُوا بالدُّجَى”
يسائله عنهم، أولئك الذين آثروا الأسفار والارتحال ،الذين مروا خفافا كالنسيم ،جعلوا الليل مطية فأحيوه وبثوا فيه الحياة.
الشاعر يفتقد شيئا مر قديما ولن يعود لذا فهو يكثر من مفردات مثل:
اتّبعوا/مرّوا/ينتعلون..

“نظروا نظرةً
فَامْتَطَى غَلَسُ التِّيهِ ظَعْنَهُمُ
والرياحُ مواتيةٌ للسفرْ
والمدى غربةٌ ومطرْ”
تتغير تضاريس الحياة في نظر الشاعر المفعم بمجرد أنهم نظروا إليها بإمعان، فأصبح كل شيء ممتطيا للرحيل “الغلس والرياح والمدى والمطر.. ”
كل شيء أصبح فارغا بعدهم ..لم يتركوا شيئا دون أن يؤثر عليه رحيلهم.

“أيا كاهنَ الحيِّ
إنَّا سلكنا الغمامَ وسَالَتْ بنا الأرضُ
وإنَّا طرقْنا النوى ووقفْنَا بسابعِ أبوابِهَا
خاشعينَ
فَرَتِّلْ عَلَينَا هَزِيعاً مِنَ اللَّيلِ والوطَنِ المُنْتَظَرْ:”
تغيرت حتى المسلمات وتبادل الكون الوظائف- إثر غيابهم- فالغمام السائل صار مسلكا والأرض المسلك صارت تسيل..
يعيش الشاعر حالة من المغادرة والضعن لقد طلب البعد ،وطرق بابه خاشعا، ولكن لماذا ؟ مالذي يحدوه لكل هذا؟
لقد كشف لنا سر رحلة غيابه وبحثه الطويل إنه “الوطن المنتظر”
فالعلاقات الفنية في الموضوع الخارجي بالنسبة للفنان ليست الأشياء بما هي عليه بل رؤيته لها، احتضانه النفسي، حنوه وترفقه أو حتى ابتعاث الجمال من قبحها وتشظيها, هذه الرؤية وإن كانت للفنان وحده فهي أبدًا ليست أحادية ثابتة بل جدلية دينامية.

“شُدَّنَا فِي سَاعِدَيكْ
واحْفَظِ العُمْرَ لَدَيكْ
هَبْ لَنَا نُورُ الضُّحَى
وأَعِرْنَا مُقْلَتَيكْ
واطْوِ أَحْلامَ الثَّرَى
تَحْتَ أَقْدَامِ السُّلَيكْ
نَارُكَ المُلْقَاةُ فِي
صَحْوِنَا حَنَّتْ إلَيكْ
ودِمَانَا مُذْ جَرَتْ
كَوثَراً مِنْ كَاحِلَيكْ
لَمْ تَهُنْ يَوماً ومَا
قَبَّلْتَ إلاَّ يَدَيكْ
سَلاَمٌ عَلَيكَ
سَلاَمُ عَلَيكْ”
لقد تبيّن الشاعر وجهته ووجد ضالته فهاجه الحنين وغلبه الحب الدفين فهاهو يخاطبه بامتنان وحبّ..
واتكأ على فعل الأمر الذي أراد منه الطلب :
“شدّنا/واحفظ/هب /وأعزنا/واطوِ”
كل تلك الأوامر ليست إلا تمني ورجاء أن يستجيب له وطنه ويدخره له ذخرا وفخرا متى احتاج له وجده.
حيث يأخذ الشاعر ما هو منتسب أصلا إلى الطبيعة فيحيله إلى محض عاطفة، فهو يهب الساعدين والمقلة والدماء للوطن، ليس من خلال علاقة مجازية بل من خلال تقرير إخباري، وحين يصبح الوطن محبوبا بمفهوم الإبدال النفسي للمعطى، يعلو لدرجة القداسة.
ثم تعلو بالعلاقة في حنو شجي “سلام عليك، سلام عليك”

“أَيَا مُورِقاً بالصبايا
ويا مُترَعاً بلهيبِ المواويلِ
أَشعلْتَ أغنيةَ العيسِ فَاتَّسعَ الحُلْمَ
فِي رِئَتَيكْ
سَلامٌ عَليكَ
سلامٌ عَليكْ”
لقد رأى الشاعر ذلك الوطن المنتظر مورقًا ومترعًا ومشتعلًا.. لهذا تمنى له السلام.

“مُطِرْنَا بِوجْهِكَ فَلْيَكُنِ الصُّبح مَوعدنَا
للغناء
ولْتكُنْ سِدرة القلبِ فواحةً بالدماء
سلامٌ عليكَ
سَلامٌ عَلَيكْ”
في قوله”مطرنا بوجهك” تناص مع قول أبي طالب في النبي صلى الله عليه وسلم -حين أجدبت مكة فخرج يستسقي به -:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
ثمال اليتامى وعصمة للأراملِ
حديث عبدالله بن دينار
«سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بشِعْرِ أبِي طَالِبٍ: وأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بوَجْهِهِ… ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ.»
حكم المحدث البخاري: [صحيح]
صحيح البخاري – رقم الحديث أو الصفحة: 1008 –

“سلامٌ عليكَ فهَذا دمُ الرَّاحلينَ كتابٌ
من الوجدِ نتلوهُ
تلك مآثرهم في الرمالِ
وتلك مدافنُ أسرارِهِم حينما ذلَّلَتْ
لَهُمُ الأرضُ فَاسْتبقُوا أيُّهم يَرِدُ الماءَ
• ما أبعد الماءَ
ما أبعد الماء!”
الشهداء الذين فدوا الوطن المنتظر وأسقوه دماءهم لا تنساهم الأوطان..
وبقاياهم في الرمال مآثر خالدة
ومدافنهم أسرار محفوظة ،لأنهم حين تسابقوا أرادوا الحياة وإن كانت بعيدة.
عميقة هي الصور التي ضمها هذا المقطع :فقد شبه دماءهم بكتاب يتُلى، وأجسادهم المدفونة بالأسرار في الصدور، وجعلهم في صورة الباحثين عن الماء، يريد أنهم يبحثون عن الحياة..

” لا، فَالذي عَتَّقتهُ رمالُ الجزيرةِ
واستودعتْهُ بكارتها يرِدُ الماءَ
يا وارد الماء عِلّ المطايا
وصُبَّ لنا وطناً في عيونِ الصبايا
فما زالَ في الغيبِ مُنتجعٌ للشقاء
وفي الريحِ من تعبِ الرَّاحلينَ بقايا
إذا ما اصْطَبَحْنَا بشمسٍ مُعتَّقةٍ
وسكرنا برائحة الأرض وهي تفورُ
بزيتِ القناديلِ
يا أرضُ كفِّي دماً مُشرَباً بالثآليلِ
يا نَخلُ أَدْرِكْ بنا أول الليلِ
ها نحن في كبدِ التيهِ نَقْضِي النوافلَ
ها نحن نكتبُ تحتَ الثرى
مطراً وقوافلَ
يا كاهن الحيِّ
طالَ النوى
كلَّما هَلَّ نجمٌ ثَنَينَا رقابَ المَطيِّ
لِتَقْرأَ يا كاهنَ الحيِّ
فَرَتِّلْ عَلَينَا هَزِيعاً مِنَ اللَّيلِ والوطَنِ المُنْتَظَرْ.
وفي النهاية تيقن في كشف مباغت أن الوطن المنتظر مازال تائها بعيد المنال وأنه قد أضاع أيامه في الانتظار فيجيء صوت الشاعر محملا بالصدى والليل والحلم الصامت
فيجمع في مقطعه الأخير ما نثر في البداية بصورة فنية بديعة لا تكتمل إلا بقراءة ما قبلها فتكتمل الدائرة بكلامه المسجوع
فالموسيقا التي أحدثتها كلمات :
كؤوس/رؤوس/اللظى/الغضا/الوجى/الدجى/السفر/المطر/ساعديك/لديك/سليك/كاحليك/عليك/رئتيك/غناء/ماء/دماء/
ليست محضا حيلا فنية، بل هي تؤكد محاولة تقريب الشكل من المضمون، وتعطي القصيدة خصوصيتها التي تشبه العزف المنفرد على وتري الغياب والحضور اللذين يصبحان عند المنتهى صنوين وتضفي على المقطع موسيقاها الخاصة التي تمتد الى داخل القصيدة فيغدو البناء قائم على الغنائية، ولا توقف بحيث تتبدى كليته المطلقة في غنائية يدعمها من الداخل.
والتساؤلات القائمة على المحاورة تنتهي إلى حالة من الإدراك الساطع المشوب بالحنين والألم اللذين تنتهي بهما القصيدة:
“يا كاهنَ الحيِّ
فَرَتِّلْ عَلَينَا هَزِيعاً مِنَ اللَّيلِ والوطَنِ المُنْتَظَرْ”
فيتبلور الموقف ويصبح اليأس التام واضحا، والحلم بالوطن مجرد تراتيل وهزيع مظلم، فيظهر المقطع الأخير الصورة نفسية التي امتزجت بالنشوة في البداية ثم ما لبثت حتى خالطها الحنين واليأس.
فتحيلنا النهاية إلى حالة من الحزن الوجودي الدفين على رغم كثافة التساؤلات المطروحة إلا إننا لا نبلغ المعرفة.

ختاما:

كانت هذه السياحة في تغريبة الشاعر محمد الثبيتي.
لغة الشاعر كانت جميلة ومفعمة بالشعرية والشاعرية ، وهي لغة فصيحة غير معجمية تحسن الوصول إلى قلب القارىء بكل يسر وسهولة ؛
وعند نهايتها نجد أن تغريبته كانت متنوعة مكثفة بالصور والمعاني الشعرية على امتداد حركة الشعر الحديث بحيث مثلت هذه التغريبة إضافة مزهرة لشعره الخالد، ولعل قراءتي تكون قد أضاءت بعض جوانبها.
-أما إذا تحدثنا عن الانزياحات التركيبية (تقديم المفعول وتأخير الفاعل وماشابه ذلك ) فما ثمة شيء منها ولكنه اختار أن ينزاح تركيبيا في قلب النص من نثر إلى عمود :

أَلاَ دِيمَةً زَرقاء تَكتَظُّ بإلدِّمَا
فَتَجْلُو سَوادَ الماءِ عَنْ ساحِلِ الظَّمَا
أَلاَ قَمَرًا يَحْمَرُّ فِي غُرَّةِ الدُّجَى
ويَهْمِي على الصحراءِ غيثاً وأَنْجُمَا
فَنَكْسُوهُ مِن أحزاننَا البيضِ حُلَّةً
ونتلُو على أبوابِهِ سُورةَ الحِمَى
أَلا أيُّها المخبُوءُ بينَ خيامِنَا
أَدَمْتَ مِطَالَ الرملِ حتَّى تَورَّمَا
أَدَمْتَ مِطَالَ الرملِ فَاصْنَعْ لَهُ يَداً
ومُدَّ لهُ فِي حانةِ الوقتِ مَوسِمَا

فإدخاله لهذا النص العمودي في نص التغريبة النثري هو انزياح تركيبي غاية في الجمال والإتقان المدروس الذي يلجأ إليه الشاعر لأغراض موسيقية وجمالية ونفسية وتأثيرية.

-لجأ الشاعر في ثنايا قصائده إلى التكرار كشكل من أشكال الموسيقى الداخلية التي تحدث نغما إيقاعيا في أذن القارىء ، كما فعل في تكرار “أدر مهجة الصبح/ يا كاهن الحيّ”.
وكذلك تكرار ضمير المخاطب الكاف في :
“ساعديك/ لديك/ مقلتيك/ سلام عليك”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى