“قطار الحرمين”.. نافذة الجوارح لـ”المشاعر المقدسة”
المصدر: أخبار24.
ثمة نوافذ متعددة تُطل عبرها نحو الأفق الروحاني، لمصافحة الحرمين الشريفين، ومشاعرهما المقدسة بالروح والجوارح، بمرونة عمليّة لافتة، دون أن تستغرق رحلتك وقتاً أطول للوصول إلى تلك البقاع.
وهذا الأمر الذي تحقق للحجاج، والمعتمرين، والزائرين الدينيين عبر شبكة خطوط حديدية، نسجت هياكلها منظومة النقل السعودية، لتخلق ثلاثية “السرعة – الأمان – الراحة”.
وبداخل محطات قطار الحرمين السريع في جدة، مثالاً، يدرك الزائر من كثب مدى فاعلية تلك الشبكة الحديدية، وجاهزية بناها التحتية، فالقطارات هناك لا تهدأ، وهدير محركاتها يستحوذ على نغم المكان، الذي تنسل من أضلعه ابتهالات ورجاءات الحجاج بعطر المغفرة.
تلك القطارات تعمل عبر الطاقة الكهربائية، أي لا حاجة للوقود في تشغيلها، وهو جزء من نهج السعودية في تخفيف الانبعاثات الكربونية، وحماية المناخ، وتصل سرعتها لـ300 كلم في الساعة، وتعد من أسرع 10 قطارات في العالم.
ويضم كل قطار نحو 417 مقعداً، جرى توزيعها بين درجتين، هما الأعمال والاقتصادية، لينطلق بك حيث شئت، فيما اللافت في تلك القطارات أن معظم قباطنتها سعوديو الجنسية، وفقاً لتأكيدات مصادر ميدانية، دون أن تلمح إلى نسبة معيّنة.
وتشق القطارات مساحات شاسعة من المدينة الساحلية ذات الليل الأنثوي، نحو “مكة المكرمة والمدينة المنورة”، فضلاً عن مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، وتعود بك إلى جدة ذاتها.
وتعد تلك القطارات التي يبلغ أسطولها 36 قطاراً ضمن الـ”10″ الأسرع في العالم، بواقع 13 عربة لكل قطار.
وخاضت “أخبار 24” تجربة التنقل، في جولة ميدانية، بدأتها بـمحطة السليمانية في جدة، إذ تبدو فسيحة وتضم في كنفها نحو “8 صالات للركاب”؛ وبدا لافتاً الحضور النسائي، للواتي يعملن داخل المحطة، سواءً بخدمة العملاء، وداخل الصالات، أو حتى لدى أرصفة القطار، بالتساوي مع زملائهن الرجال.
ويستوعب صدر المكان الضيوف الجدد للانضمام إلى كنف المحطة، وفي كل لحظة ثمة حركة لافتة داخل المكان، إذ يحتشد الراكبون في الصالات، ومعظمهم حجاج.
وريثما يحل النداء الأخير إلى مرافئ محطة جديدة، تنساب أبصار البعض نحو مجسم لـ”شبكة الخطوط الحديدية” التي قضمت هياكلها شيئا من مرتفعات الجبال ونتوءاتها؛ فيما بدا لافتاً استغراق أحد الوفود الإندونيسية في تفاصيل المجسم.
وما إن يهمس الصوت الأنثوي بميكروفون المحطة إيذانا بالمغادرة، حتى يهم المغادرون بجلب أمتعتهم للرحيل، خاصة أن معظمهم أتوا لفريضة الحج، وبعدئذ، يحتشد أولئك الذين أتوا من كل فج عميق في القطار، موزعين في درجات المقصورة التي تضم شاشات توضيحية لمسار الرحلة ومقدار السرعة، فضلاً عن أن القطار يتمتع بوسائل سلامة لافتة.
وفي هذه الأثناء، كانت شفتا إحدى السيدات التي يبدو أنها تتحدر من أصول أفريقية، تتمتمان بتراتيلها لخالقها، تمعن قليلاً في النافذة في انتظار لحظة الوصول، فيما بالنسبة لأولئك الحجاج الوافدين، فإنه حينما تتكلس صور الحرمين الشريفين في ذاكرتهم، تتكثف طبقاتها مجدداً بمجرد مشاهدتهم عبر نوافذ القطار جبال مكة المكرمة التي تكتسي شيئا من اللون الأحمر.
استغرقت الرحلة من محطة السليمانية بجدة إلى مكة المكرمة نحو 35 دقيقة، في أثنائها تعلو أصوات تلبية الحجيج وتكبيراتهم، وتنخفض، بيد أنه ما إن شرعنا في الوصول حتى اعتلت مجدداً.
وما إن تصل إلى المحطة داخل مكة حتى يبدأ مسؤولو الأمن في التمحيص في هوية الحجاج، والتأكد من سلامة تصاريحهم، خشية تسرب البعض بشكل غير نظامي.
إن مثل هذه القصص التي يجب أن ترى النور؛ تعطي أدلة على عمق الاهتمام الذي توليه المملكة، ليس فقط بالحرمين الشريفين، إنما بكل ما يرتبط بهما، ما دام أنه ينعكس على راحة زائر وقاصد المشاعر المقدسة، بصورة تؤكد إلى حدٍّ كبير، مقدار الأمانة والإخلاص السعودي، الذي لم ينقطع منذ عهد المؤسس، وحتى اليوم، لأقدس بقاع الأرض.