باحثة تسرد تاريخ الاحتلال فى هدم هوية وآثار فلسطين بالمخالفة لاتفاقية لاهاى
أكدت الدكتورة سارة محمد الشماس، الباحثة الفلسطينية في التراث والعلوم التربوية، أن استهداف الاحتلال للتراث الفلسطيني ليس مجرد هجوم على آثار مادية أو رموز ثقافية، لكنه هجوم شامل على الهوية الفلسطينية بأكملها، لافتة إلى تعمد الاحتلال الإسرائيلي ضرب الرموز الثقافية والتاريخية التي تشكل جزءاً من ذاكرة الشعب الفلسطيني بهدف محو هويته وتزوير تاريخه الذي يتمثل في التهجير القسري، ومصادرة الأراضي، وتدمير المعالم الأثرية والتاريخية، ومحاولات تهويد الأماكن المقدسة.
وأضافت “الشماس” في تصريحات خاصة لـ”اليوم السابع”، أن هذه الهجمات تمثل سياسة ممنهجة لإلغاء وجود الشعب العربي الفلسطيني وجذوره التاريخية، ما يجعل استهداف التراث جزءاً من استراتيجية استعمارية أوسع تهدف إلى تطهير الأرض من الفلسطينيين واستبدال ثقافتهم بهوية أخرى، لافتة إلى أن التراث الفلسطيني سواء كان ثقافيًا أوأثريًا يحمل دلالات حضارية تعود لآلاف السنين ومن خلال استهدافه يحاول الاحتلال الاسرائيلي تفريغ الشعب الفلسطيني من تاريخه.
وأشارت إلى أن تاريخ استهداف التراث الفلسطيني يعود إلى بداية المشروع الصهيوني في نهاية القرن التاسع عشر، واستمر بوتيرة متزايدة بعد قيام دولة الاحتلال الاسرائيلي عام 1948، “عام النكبة”، حيث تم تدمير العديد من القرى الفلسطينية ومسح آثارها بشكل كامل بما في ذلك تدمير المساجد، الكنائس، والبيوت والمباني التاريخية، وفيما بعد زادت هذه الممارسات خلال عام 1967، “عام النكسة” والانتفاضتين، حيث استهدفت العديد من المعالم التاريخية والدينية، وخاصة في القدس والخليل، كما أن مشاريع الاستيطان تمثل جزءاً من هذه السياسة حيث يتم بناء مستوطنات على أنقاض القرى الفلسطينية المدمرة، ومحاولة إعادة تسمية الأماكن بطريقة تعزز الرواية الصهيونية.
وأوضحت “الشماس”، أنه منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة تعرض التراث الثقافي الفلسطيني والآثار التاريخية لدمار واسع، مما أثر بشكل كبير على الهوية الثقافية والتاريخية للفلسطينيين، حيث يتمتع قطاع غزة بتاريخ وإرث غني يمتد لآلاف السنين ويضم مواقع أثرية تاريخية تعود لحضارات قديمة، ولكن الصراعات المتكررة أدت إلى تدمير العديد من هذه المعالم الأثرية والتاريخية، فتأثرت الكنائس والمساجد القديمة بشكل مباشر نتيجة قصف الاحتلال الاسرائيلي، مما أثر على المعمار الإسلامي والمسيحي الذي يعكس التنوع الثقافي للمنطقة، كما دُمرت مواقع أثرية تاريخية مهمة مثل مدينة غزة القديمة، مما ساهم في فقدان آثار حضارات متعاقبة.
وتابعت: “منذ 7 أكتوبر 2023 شهدت غزة دمارًا كبيرًا في المواقع الأثرية نتيجة تصعيد الاحتلال العسكري الاسرائيلي، حيث قصفت ودمرت معالم شهيرة مثل المسجد العمري الكبير وكنيسة القديس بورفيريوس، إضافةً إلى ذلك تعرضت المتاحف لقصف طائرات الاحتلال الاسرائيلي وتدميرها منها متحف رفح، ومتحف خان يونس، والمراكز الثقافية، مما أدى إلى فقدان التحف والمقتنيات التاريخية التي تحتويها”.
وتشير التقارير إلى أن حوالي 23 معلماً أثرياً وتاريخيا، بالإضافة إلى أكثر من 70 مبنى أثري وتاريخي، تعرضت للدمار كلياً أو جزئياً، مما يشكل خسارة فادحة للشعب الفلسطيني تفوق الأذى المادي وتأثيره على الهوية والانتماء الثقافي للأجيال القادمة.
وبشأن هدم التراث الفلسطيني في الضفة والقدس، قالت الباحثة الفلسطينية، إن الضفة الغربية والقدس تعرضا لهجمات منظمة تهدف إلى تدمير التراث الثقافي الفلسطيني، لافتا إلى أنه في القدس تركز هذه الهجمات على تهويد البلدة القديمة، وتستهدف المسجد الأقصى وقبة الصخرة، حيث تسعى سلطات الاحتلال إلى تغيير معالم المدينة من خلال مشاريع ضخمة، مثل حفر الأنفاق أسفل المسجد الأقصى وتغيير أسماء الأحياء والشوارع، كما أنه في الخليل يُعاني المسجد الإبراهيمي والبلدة القديمة من انتهاكات مستمرة وإغلاقات عسكرية، مما أدى إلى تحويل أجزاء كبيرة إلى مناطق يسيطر عليها المستوطنون.
وقالت إن هذه الممارسات إلى جانب عمليات الحفر غير القانونية والنهب الأثري، تسببت في دمار كبير للتراث والآثار التاريخية، مما يُعتبر مؤشرًا واضحًا على التحديات التي تواجه الهوية الثقافية الفلسطينية، ويُعد التوسع الاستيطاني أحد أبرز العوامل المساهمة في تدمير الآثار، حيث تُبنى المستوطنات الإسرائيلية على أنقاض المواقع التاريخية، مما يؤدي إلى فقدان العديد من المعالم الأثرية وتغيير معالم الأرض بشكل جذري كما تترك العمليات العسكرية آثارًا سلبية واضحة على التراث.
وأوضحت أن المواقع الأثرية الفلسطينية تتعرض للقصف وتُستخدم كنقاط تفتيش، مما يتسبب في تدمير المباني الأثرية والتاريخية، كما تسهم سياسة التهجير والإهمال في تدهور المواقع الأثرية، حيث يُجبر الفلسطينيون على مغادرة مناطقهم وأماكن سكنهم، مما يترك الآثار بلا حماية أو صيانة علاوة على ذلك هناك محاولات لتغيير المعالم الأثرية والتاريخية، من خلال فرض تغييرات على الأسماء وإعادة تفسير التاريخ بطريقة تُهمش الهوية الفلسطينية، مما يُسهم في فقدان الذاكرة الجماعية ويزيد من حجم التحديات التي تواجهها.
وبشأن مخالفة تلك الممارسات للقوانين والأعراف الدولية، قالت “الشماس”، إنه بموجب القانون الدولي، وخاصة اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح، واتفاقية جنيف الرابعة، تعتبر هذه الممارسات غير قانونية و تمنع هذه الاتفاقيات تدمير الممتلكات الثقافية ونقلها أو الاستيلاء عليها في حالات الاحتلال، كما أن قرارات الأمم المتحدة أكدت مراراً وتكراراً على عدم قانونية تصرفات الاحتلال الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك تهويد القدس والتعدي على المواقع الأثرية و بالتالي تعتبر الممارسات الإسرائيلية ضد التراث والتاريخ الفلسطيني انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي، وتستوجب المساءلة.
وأكدت أن فلسطين تسعى جاهدة لمحاسبة الاحتلال الاسرائيلي على جرائمه ضد التراث الثقافي من خلال مجموعة من الخطوات الدبلوماسية والقانونية ومن أبرز هذه الخطوات الانضمام إلى المنظمات الدولية مثل منظمة اليونسكو مما يتيح لها تقديم شكاوى رسمية ضد الانتهاكات الإسرائيلية بالإضافة إلى ذلك تُقدم فلسطين قضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية بشأن الجرائم المرتكبة ضد التراث الثقافي الفلسطيني وتعتبر عملية التوثيق والبحث العلمي من الأمور الأساسية التي تركز عليها الدولة الفلسطينية والجامعات والمؤسسات الثقافية، حيث تساهم في جمع الأدلة الضرورية لتقديمها في المحافل القانونية.
وأشارت إلى أن دولة فلسطين تسعى إلى تعزيز التعاون مع المجتمع الدولي للحصول على الدعم من الدول الصديقة والمنظمات العالمية لإدانة هذه الممارسات، وفرض ضغوط على الاحتلال الاسرائيلي لوقف التدمير المنهجي للتراث الفلسطيني وفي النهاية، يظل الحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني بمثابة مقاومة رمزية وشعبية تهدف إلى حماية الهوية والذاكرة الجماعية في مواجهة محاولات الاحتلال الاسرائيلي لتشويه وتزوير وتهويد هذه الهوية الفلسطينية.